هبّارية
dealingwiththepast
1972
حين خرج رجائي من المعتقل عام 1998، اعتقد أن الناس خرجوا من الحرب ولن يعودوا إليها، فالتجارب علمت العديد من شعوب العالم أن الحروب لن تنتج إلا الموت والدمار، لكنه رغم الاستقرار الاقتصادي والأمني يومها، وجد أن اللبنانيين لم يستفيدوا من تجربة حربهم الأهلية، أصيب بالصدمة بعدما تبدل الناس وحياتهم، وانتظر فترة طويلة ليتمكن من الانخراط في مسار يوميات المجتمع.
ابن الحرب الأهلية أم ابن السلم المهجر من مكان لآخر؟ لا يمكن لحياة رجائي أن تكون استقرار بمكان واحد، إلا المعتقل الذي سكن فيه بشكل مستمر لسنوات طويلة من دون تهجير.
كان ابن عشرة أعوام يقطن مع عائلته في قرية غزة البقاعية، قبل أن تهرب عائلته من الغارات والحرب خلال الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 نحو قريتهم الهبارية في قضاء حاصبيا، في البلدة القريبة لمزارع شبعا عاشت أسرته مع الناس تحت الاحتلال، وسمع عن المقاومة الوطنية اللبنانية وتصديها للجنود خلال دخولهم القرى لاعتقال الشبان، أعجب بهؤلاء الأشخاص “السريين” وخصوصاً أن كل صباح كان يرى صوراً لشبان معلقة على الجدران الخارجية للمنازل.
لم يترعرع رجائي في بيت حزبي، ولم ينتم الى الحزب الشيوعي في بادئ الأمر، بل اكتفى مع عدد من أقرانه بتوزيع المناشير ورش شعارات دعم المقاومة الوطنية على الجدران.
انتقل إلى بيروت في العام 1987 حيث تردد على منزل شقيق والدته المنتمي للحزب الشيوعي، وعبره تعرف على جبهة المقاومة الوطنية، وانتسب لها وتابع دورات عسكرية، وهو كان لا يزال طالباً في صف الرابع متوسط “البريفيه”، لكنه لم يستطع التوفيق بين دراسته وبين عمله “الحزبي”، فاضطر إلى ترك الدراسة وهو قرار يندم عليه إلى يومنا هذا.
التزم رجائي العمل العسكري، وهو لم يكن يملك منزلاً فأصبح لاجئاً يتنقل بين بيوت رفاقه أو ينام في المراكز العسكرية التابعة لحزبه، حتى أصبح معروفاً بين أصدقائه بالسلحفاة، كونه كان يحمل بيته على حقيبة ظهره.
في 13 ايلول عام 1990 وخلال تنفيذ عملية ضد القوات الإسرائيلية في تلة الأحمدية القريبة من قرية كوكبا الجنوبية وقع رجائي بالأسر، ودخل معتقل الخيام حيث تعرض للتعذيب بشكل يومي على مدى ثماني سنوات.
لم يشارك رجائي في القتال ضمن الحرب الأهلية باستثناء في معركة واحدة ضد الجنرال ميشال عون، الذي كان متمرداً على الشرعية آنذاك وهي الواقعة الوحيدة التي يندم عليها، كونه حمل السلاح ضد أبناء بلده.
لم يتعاط العمل السياسي خلال الحرب، “بل هو لم يعرف إلا البندقية”، تاركاً كل شيء لقتال الاحتلال، حتى مرحلة عيشه في المعتقل كانت بالنسبة له فترة حرب ولكن في ساحة مختلفة، كونه كان ينتظر الاعتداء والتعذيب من سجانيه بل فقط. في المعتقل أصبح ماركسيا، وتعرف على الجانب السياسي والاقتصادي من الماركسية، ويعتبر بأنه من خلال الفكر نستطيع أن نحقق النجاح بالاقتصاد والسلام.
لم ينظر رجائي إلى الحرب الأهلية بإيجابية، بل فقط يكتفي بالقول “تنذكر حتى لا تنعاد”، وهو يناصر العمل السلمي، ويرى أن العنف والقوة لا يفيدان بشيء. شخصيا فقد رجائي عمره ومستقبله بسبب الحرب وحتى اليوم هو لا يزال يلملم جراحه وهو يفرق بين الحرب الأهلية وبين الاجتياح الإسرائيلي، والقتاله ضد العدو الخارجي.

رجائي أبو همين
رجائي أبو همين، الأول من اليمين يحتفل بإطلاقه من معتقل الخيام، بعد أسر دام 8 سنوات، أثناء تنفيذه عملية ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي في تلة الأحمدية القريبة قرية كوكبا الجنوبية، دخل معتقل الخيام، وتعرض للتعذيب بشكل يومي على مدى السنوات الثمانية. خرج رجائي من المعتقل في عملية تبادل أشلاء جنود إسرائيليين سقطوا في عملية بلدة انصارية، ليجد أن الحياة تبدلت من حيث سلوك وكلام الناس، لتأخذه فترة طويلة ليتمكن من الانخراط بالحياة الطبيعية.