أنور

أنور

دير القمر

dealingwiththepast

1960

عميد متقاعد في الجيش اللبناني

في الحرب أشياء كثيرة صعبة، ولا تنتهي الصعوبات بأشكالها المختلفة، استشهد رفيقه في إحدى المعارك، كان عليه أن يتوجه إلى لتبليغ العائلة بمقتل ابنهم، والزوجة بمقتل حبيبها. وصل أمام منزلهم عند العاشرة ليلاً، وبدأ يفكر بكيفية الصعود إلى البيت والطرق على الباب، هنا يتوقف، ويعاود التفكير، كم هي صعبة هذه اللحظة، ترك نفسه جالساً في السيارة إلى الثالثة صباحا، يفكر برفيقه وعائلته والموت والسواد المحيط بحياة الجميع، والخسائر اليومية التي لن تتوقف.
نشأ أنور في بلدة دير القمر بقضاء الشوف، ستة أشقاء وشقيقات، ووالد يعمل في مصلحة بريد دير القمر.
عندما اندلعت الحرب في نيسان 1975 كان أنور تلميذاً في صف الرابع متوسط “البريفيه” وبين جولات القتال الأولى قدم الامتحانات الرسمية قبل أن يعود الأطراف للاقتتال، بحيث لم تصدر النتائج الرسمية ورُفع كل التلامذة من صفوفهم.
التنظيمات المسلحة قسمت دير القمر لقسمين، الأول مسؤول عنه ميليشيات بقيادة داني شمعون تابعة لحزب الوطنيين الأحرار، المحسوبين على رئيس الجمهورية السابق كميل شمعون، والقسم الآخر مسؤول عنه فصيل آخر يدعى التنظيم بقيادة جورج عدوان، والذي انتظم أنور بصفوفه.
السلاح الذي وزع على أنور ورفاقه كان من مخلفات الحرب العالمية الثانية واغتنمه المقاتلين من مراكز قوى الأمن الداخلي، وكان دورهم محصوراً بحراسة بلدتهم دون وقوع قتال فعلي مع المحيط.
وبدلاً من أن يعيش على أطراف الحرب، تطوع أنور في المدرسة الحربية سنة 1980 وتخرج برتبة ملازم في أوج الحرب الأهلية.
عندما تطوع كانت الفكرة السائدة بأن الحرب الأهلية شارفت على نهايتها، وعديد الضباط الذي تم تطويعهم كانوا يشكلون نواة الجيش الجديد الذي سيعيد اللحمة الوطنية.
ولكن ما حصل يعتبره أنور من أصعب أيام عمره، تخرج في الأول من آب سنة 1982 وكانت العاصمة بيروت محاصرة من الإسرائيليين، وعينته القيادة مواقع عسكرية خطيرة على خطوط التماس واستمر في القتال لحين انتهاء الحرب الأهلية بدخول الجيش السوري إلى قصر بعبدا في 13 تشرين الأول 1990. هي مرحلة سوداء ومُرة قضاها في القتال على الجبهات المتعددة منذ كان عمره 22 عاما إلى الثالثة والثلاثين، سنوات شبابه خسرها ولن تعود أبداً.
بالنسبة لأنور من أصعب الأمور أن يكون المرء مع شخص حي ويختفي فجأة، يموت بسبب الحرب بدون سبب، غير حب الوطن. أنور لم يكن ضمن أي حزب ومن هنا لا يملك عقيدة سياسية، أما الخسائر في صفوف جنوده وزملائه كانت صعبة كونه لم يستطع الدفاع عن الوطن وبنائه. حين تنتهي الحرب يبدأ الشعور بأن الموتى هم مجرد أرقام، وهذا شي غير صحيح كون كل الذين سقطوا هم أشخاص امتلكوا فكر، حتى ولو كانوا جزءاً من الأحزاب والميليشيات. والشعور الأصعب هو أن تجد المسؤولين عن الحرب لا يزالون بالحكم بينما “ماتوا الأرقام”.
يرى العميد المتقاعد بأن لا مجال للخلاص بدون فصل الدين عن الدولة، والمطلوب هو التنافس بين المواطنين على أساس الكفاءة فالوطن “يسع الجميع” بغض النظر عن لون الشخص ودينه وأفكاره السياسية. الطريق الوحيد للنهوض بالبلاد هو بالاستثمار بالعلم والابتعاد عن التحزب الأعمى الذي يؤدي إلى العنف. مستحيل بناء الوطن عبر العنف، لو تحاور اللبنانيين لعشرات السنوات عن أي وطن يريدون لكان وضعهم أفضل بكثير من الذهاب الى الحرب العبثية. الحرب تعلم المرء أن يحترم الحياة وأن يحترم البشر والحجر، خاصة عندما يتعرض لخطر ويقترب من الموت. على الشباب عدم الانجرار وراء العنف والاهتمام بعلمهم، فإن القادة السياسيين يختلفون في النهار ويتصالحون في الليل على دماء وتضحيات الأبرياء.

تسجيل دخول

The stories and interviews and other information mentioned in this platform do not necessarily reflect the views of the UNDP and the donor. The content of the stories is the sole responsibility of the interviewees.

القصص والمقابلات والمعلومات الأخرى المذكورة في هذه المنصة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والجهة المانحة. محتوى القصص هي مسؤولية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم.