جريس رشيد عواد

جريس رشيد عواد

راشيا الفخار

dealingwiththepast

كان الشبان والصبايا يدبكون بالساحة الصغيرة أمام بيت جريس عواد في راشيا الفخار احتفالاً بزواجه، عائلته يهتمون باستقبال المدعوين، وهو يتنقل بين رفاقه يطلب منهم المشاركة برقص الدبكة، صورة زاهية انكسرت بلحظة واحدة حين انقلبت الدنيا مع أصوات الانفجارات من جهة جبل الشيخ وقرى العرقوب.
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973 انقلب الزفاف إلى مأساة مع اندلاع الحرب على الحدود السورية الإسرائيلية، وبدأت مواجهة جوية بين طائرات الجانبين، عاشت فيها المناطق الحدودية اللبنانية أسوأ مراحل الحروب التي مرت عليها.
تعرضت راشيا الفخار، بلدة جريس للقصف والتدمير، ما أجبره على دعوة من بقي من المدعوين للفرار، مجبراً على إلغاء الحفل مكتفياً بالمراسم الدينية قبل أن يغادر لـ”شهر العسل”.
عاد جريس بعد أسبوع إلى قريته مع عروسه، فوجدها مدمرة، وأجبر كما غيره ممن تبقى في راشيا الفخار على قضاء بضعة ليال في كنيسة القرية، بعدما تحولت إلى ملجأ للأهالي، بسبب قدرة جدرانها الحجرية على الصمود أمام القصف.
ترك قريته وانتقل إلى بلدة مرجعيون القريبة، ليشهد بعد أشهر ولادة ابنته الأولى، ومع اشتعال جولات الحروب الصغيرة في الشريط الحدودي، انتقل نحو الجزء الغربي من العاصمة بيروت، ليتركها مجددا مع اشتداد المعارك إلى مشغرة في البقاع الغربي. أبناء جريس الثلاثة ولدوا أثناء التهجير كل واحد منهم في بيت مختلف.
يقضي جريس رشيد عواد، ابن الخامسة والسبعين عاما تقاعده في قريته راشيا الفخار، وذلك بعد أكثر من 48 سنة قضاها في التعليم الثانوي والخاص والرسمي. يتذكر هناك الحرب والرفاق وايام السلم ونشأته في منزل أبيه الشيوعي، وبقرية تميزت بالانقسام العقائدي بين الشيوعيين والقوميين السوريين الاجتماعيين.
كالعادة لم يكن أمام جريس إلى تبني الماركسية والانخراط بالحزب الشيوعي، مستنداً إلى أجواء المنزل، ووجود قدر كبير من الكتب والدوريات الماركسية التي قرأها وهو يافع. كانت قراءاته ترتبط بواقع قساوة عمل والد جريس لتأمين لقمة العيش للعائلة، وهو ما زاد من اندفاعه لمناصرة حزب يدعو لتأمين حقوق الطبقات “الكادحة” والعمال والفلاحين.
في مشغرة عاش جريس تحت الاحتلال الإسرائيلي وقرر الاستمرار بالنضال السياسي دون أن يؤمن بالعمل العسكري، فهو بالرغم من اقتناءه رشاش كلاشينكوف يعترف بأنه لم يطلق النار بحياته ولو تعرض لأي اعتداء لم يكن يعرف كيفية استخدام السلاح.
خلال الحرب الأهلية وجد جريس نفسه معاديا للحروب والسلاح، والأجدى هو العمل السياسي، ليصل به الأمر إلى التصادم في إحدى المناسبات مع المسؤول العسكري للحزب الشيوعي، حول القتال والسلاح والموت المجاني في الحروب. شاءت الصدف بعد أعوام أن يلتقي بالمسؤول العسكري نفسه الذي اعتذر منه عن عدم فهمه يومها لما كان يقوله جريس، وأخبره بأنه جزء من جمعية تدعو لنبذ العنف والتوعية على ثقافة السلام.

    جريس رشيد عواد

    جريس عواد الاول من اليمين الى جانب رئيس مخفر قريته راشيا الفخار و قائمقام حاصبيا و رئيس البلدية أثناء تفقد القصف التي تعرضت له قرية جريس سنة 1969. فكانت زيارات الدولة المتكررة كون القرية كانت تتعرض للقصف المتكرر محصورة قائمقام الذي كان يسجل الأضرار بدون القيام باي خطوة للتعويض. جريس الذي انتسب للحزب الشيوعي اللبناني كان مولع بالشأن العام , وناضل ضمن العمل النقابي كأستاذ ثانوي و لكن لم يحمل السلاح و لم يشارك في الحرب والتي أدت الى تهجير عائلته الاكثر من ثلاث مرات. جريس العديد من أبناء الجنوب اللبناني دفعوا فاتورة إهمال الدولة اللبنانية لهم و الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأء سنة 1978 مع عملية الليطاني.

تسجيل دخول

The stories and interviews and other information mentioned in this platform do not necessarily reflect the views of the UNDP and the donor. The content of the stories is the sole responsibility of the interviewees.

القصص والمقابلات والمعلومات الأخرى المذكورة في هذه المنصة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والجهة المانحة. محتوى القصص هي مسؤولية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم.