خالد العويشي

خالد العويشي

عين الرمانة

dealingwiththepast

1960

خالد العويشي ابن قرية عرسال النائية في البقاع الشمالي، ولد في عين الرمانة بمنطقة ساحل المتن الجنوبي، أو ما يعرف بالضاحية الجنوبية لبيروت، وهي منطقة نزح إليها سكان الأطراف بحثا، عن لقمة العيش.
ترعرع خالد في عين الرمانة المختلطة، ولم يعرف التفرقة المذهبية كون معظم رفاقه على مقاعد الدراسة كانوا من المسيحيين. ولكن مع اندلاع الحرب أحرق بعض العناصر منزل عائلة خالد المحاذي لمستشفى الحياة، وكانت إشارة للعائلة بأنهم كمسلمين لم يعد مرحباً بهم، فانتقلوا إلى منطقة الشياح التي يفصلها عن عين الرمانة خط التماس، ومئات البنايات المدمرة بفعل المعارك.
عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 في حادثة “بوسطة” عين الرمانة التي تعتبر شرارة الحرب، كان خالد يبلغ الخامسة عشر من العمر، فحمل السلاح دون أن يتلقى تدريباً فعلياً.
بالنسبة لخالد حمل السلاح كان أمراً غريباً، وبالرغم من أن بندقية الكلاشينكوف كانت أطول منه، تعلق بها، وعشق حملها. قاتل ولكنه لم يحمل في قلبه الكره لأصدقائه في المقلب الآخر، فهو حتى اليوم يحب ويعشق عين الرمانة التي ولد وعاش فيها، فكل طفولته وذكرياته ترتبط بتلك المنطقة، وحتى يومنا هذا لا يزال يتردد على رفاق طفولته.
حمل السلاح في تلك المرحلة عن قناعة كاملة، فالتعبئة الحزبية كانت تربي الشبان على القتال لمواجهة مشاريع كثيرة وكبيرة، ومنها التصدي لمشروع صهيوني يتحالف مع بعض اللبنانيين. مع الوقت خضع خالد لدورات تثقيفية حزبية وعسكرية، منتسباً للحزب الشيوعي اللبناني، شارك في القتال على امتداد الوطن، في الحروب الداخلية ضد “اليمين” اللبناني، وفي قتال قوات الاحتلال الإسرائيلي و”الجيش الفئوي” كما درجت التسمية آنذاك.
مع قراءة خالد للماركسية اقتنع أن الصراع القائم هو طبقي بامتياز. وأبناء قريته الفقيرة نزحوا الى ثلاث مناطق في ضواحي بيروت، عين الرمانة حيث تربى والشياح ومخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين، وأغلبهم كانوا يبحثون عن أعمال بسيطة ضمن المعامل الموجودة كمعمل غندور أو في قطف الحمضيات. ولكن هذا الصراع الطبقي وبسبب تدخل الخارج وتعنت القوى المحلية ما لبث أن حول الحرب إلى طائفية ومذهبية.
خلال الحرب كان هناك أكثر من أربعة تنظيمات في شارع واحد لا يتجاوز طوله الـ 200 متر، وكانوا يتقاتلون بشكل مستمر، والسخرية الحقيقية تمثلت بأن نفس الطرف كان يمول كل تلك التنظيمات، ليسقط الكثير من الأبرياء بدون أي ذنب “راحوا رخاص”.
يذكر خالد العديد من الصور والذكريات الأليمة، ومنها رفيقه الذي استشهد أثناء تنفيذه عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فأثناء استكشافه موقع العملية علق في عاصفة ثلجية وتجمد من جراء الصقيع.
الصورة المرافقة تظهر خالد الأول من اليمين يعانق صديقه الشهيد وذلك أثناء احتفالهم بليلة رأس السنة.
انطلقت الحرب وأصبح خالد جزءاً من دوامتها، وأخذته معارك وجولات ومقتل أبرياء وأصدقاء مقاتلين، قبل أن يعرف بأنهم كمحاربين أساؤوا لأنفسهم ودمروا بلدهم قبل أن يسيئوا لغيرهم.
“الحرب الأهلية قذرة وعشتها أنا كمأساة، ولذلك لم أعد أؤمن بالسلاح”، بتلك الكلمات يذكر خالد العديد من رفاقه الذين استشهدوا إلى جانبه، وكذلك المآسي الاقتصادية ومن فقدوا منازلهم ومصالحهم، والعديد منهم كانوا أغنياء أصبحوا فقراء، ومنهم من كان فقيراً وأغنته الحرب.
يقول خالد ليس هناك أي ظرف يبرر حمل السلاح في أي مواجهة داخلية، أو ضد أي طرف لبناني آخر، ولكن هذا لا يعني أنه قد يتلكأ في مواجهة أي احتلال لبلده، فهذا حق مقدس وطبيعي.
لا يخفي عن أولاده الأربعة تجربته خلال الحرب، لكنه يخبرهم عن المآسي التي عاشها، ويصور لهم خطأ حمل السلاح. كلما تذكر أحد رفاقه يقول “الله يرحموا”، فالناجون من الحرب قلائل، وهو أصيب خمس مرات خلال القتال. يقول لأولاده “حمل السلاح ممنوع، إذا أردتم الدخول إلى الأحزاب والتعرف على السياسة فهذا أمر طبيعي، ولكن حمل السلاح هو خطيئة ومستحيل”.
لا أتمنى أن يحمل أحد السلاح أبداً التعصب هو شيء سيء، لا يجب أن نكره أحد بسبب اسمه أو دينه أو عرقه، في آخر المطاف نحن جيران وصديقك شريكك في الوطن، نريد فقط أن نعيش سويا بدون أن نضمر الشر لبعضنا البعض.

    خالد العويشي

    صورة تظهر خالد العويشي، المقاتل ضمن صفوف الحزب الشيوعي اللبناني، وهو يمتطي حماراً وأمامه يركب أحد رفاقه الأرمن في قرية الشرقية بقضاء النبطية بالجنوب اللبناني. كان خالد يتردد بشكل دائم إلى الجنوب اللبناني، ضمن خدمته العسكرية في ميليشيات الحزب الشيوعي، وصفوف جبهة المقاومة الوطنية ضد الإحتلال. تلك الخدمة كانت تستمر لأشهر متواصلة، لتصل في إحدى المرات إلى عامين متواصلين. وبالرغم من تحدره من قرية عرسال على الحدود الشرقية الشمالية للبنان التي كانت تعتمد على تربية الحيوانات للتنقل، إلا أنها المرة الأولى التي يظهر بها خالد في صورة وهو يمتطي ظهر حمار.

تسجيل دخول

The stories and interviews and other information mentioned in this platform do not necessarily reflect the views of the UNDP and the donor. The content of the stories is the sole responsibility of the interviewees.

القصص والمقابلات والمعلومات الأخرى المذكورة في هذه المنصة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والجهة المانحة. محتوى القصص هي مسؤولية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم.