سلوى سعد

سلوى سعد

كيفون

dealingwiththepast

حين دخلت سلوى سعد إلى السجن مع رفاقها، رأت شباناً من الطرف الآخر “العدو” يقفون إلى جانب الجدار، كلما اقتربت مع رفاقها من أبواب الزنزانات، كانت ترى في وجوههم حكايات الرعب اليومي الذي يعيشونه بانتظار النهاية، التي تكون إعداماً أو خروجاً بمبادلة ما إلى الحرية.
قال لها رفيقها خذي المسدس واختاري أي واحد منهم واقتليه. كان رفيقها يحاول أن يساعدها للتخلص من آلام خسارة حبيبها الذي قتل في معارك وقعت قبل أيام، كان موت المخطوفين “الأسرى” هو الذي يشفي الغليل.
بالنسبة لسلوى التي ترعرت في عائلة متواضعة تملك متجرا لبيع المواد الغذائية في قرية كيفون في قضاء عاليه، لم تكن السياسة جزءا من ثقافة المنزل، ولم تكن العائلة التي تناصر الرئيس كميل شمعون من المتعاطفين مع الحزب الشيوعي أو الزعيم الاشتراكي والدرزي كمال جنبلاط.
أول انتباه لها كشابة للسياسة بدأ عندما كانت تتسلق أشجار الصنوبر في قريتها بمحيط قصر أحمد الشقيري، مؤسس وأول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، القصر الذي تحول بعد حرب 1967 مخيماً لتدريب الفدائيين الفلسطينيين وحلفائهم من اليسار اللبناني.
كانت الحرب الأهلية تقترب، وهي تتعرف على أجواء السياسة بعد التحاقها بثانوية عاليه، انضمت سلوى إلى الحزب الشيوعي بتشجيع من بعض أساتذتها الماركسيين، ثم خضعت خلال الحرب لدورات عسكرية عدة وشاركت في العديد من المعارك والجبهات على امتداد لبنان قبل أن تتزوج أحد رفاقها في الحزب وتنتقل إلى النضال المدني بعدما أنجبت أطفالها.
على بال سلوى تخطر قصصا عديدة، قتال وهجمات وهروب وانتصارات وخسائر، وتبقى صورتان راسختان في ذاكرتها، الأولى بعد فقدانها في القتال أول شخص أحبته، كان رفيقها بالحزب الشيوعي، كانت مرحلة حزن ودمار نفسي عاشته كشابة في تلك المرحلة. يومها أخذها رفاقها لأخذها للسجن لاختيار أحد “الأسرى” لقتله انتقاما.
هذا الموقف أدى لانهيارها، فبدأت بالبكاء والصراخ ولم تخرج قبل أن تجبر رفاقها على إطلاق سراح “الأسرى”.
أما الصورة الأخرى، في بيروت كان صاحب محل البقالة يبيعها حاجات المنزل بالدين، ويسجل ما تشتريه على دفتر الدائنين، ومن المشتريات حليب الأطفال لابنها الرضيع، ولكن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في أواسط الثمانينات، فـُقد الحليب من متجر جارها ما دفعها للتجول في شوارع بيروت بحثاً عن غذاء لطفلها، ولكنها لم تكن تملك المال الكافي لشرائه. مشت في شوارع المدينة تنظر إلى وجوه الناس وتبكي، عادت إلى متجر جارها طالبة منه أن يعطيها المال هذه المرة على سبيل الاستدانة، لتشتري الحليب من متجر آخر، كانت الظروف صعبة ولكن جارها أمدها بالمبلغ المطلوب.
عبثية الحرب دفعت بسلوى إلى إلقاء السلاح بشكل كامل، وأصبحت تناهض الحرب وخصوصاً بعد تعرفها على زملائها في قطاع التعليم الرسمي في كل لبنان.
تركت السياسة واتجهت نحو النضال السلمي والتثقيف على الحوار ونبذ العنف لتدخل في كنف مؤسسة “محاربين من أجل السلام”.

تسجيل دخول

The stories and interviews and other information mentioned in this platform do not necessarily reflect the views of the UNDP and the donor. The content of the stories is the sole responsibility of the interviewees.

القصص والمقابلات والمعلومات الأخرى المذكورة في هذه المنصة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والجهة المانحة. محتوى القصص هي مسؤولية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم.