ماري وديع عون

ماري وديع عون

dealingwiththepast

1957

خلال الحرب الأهلية عملت ماري في غرفة الإشارة أو ما يعرف بالاتصالات اللاسلكية، هي الكتائبية التي تتابع عمل المجموعات على الأرض، من مناطق مختلفة قريبة لموقعها أو بعيدة عنه، تلقت برقية من مجموعة قتالية في محور صفير في منطقة ساحل المتن الجنوبي أو الضاحية الجنوبية، هي تعرف أفراد المجموعات من أصواتهم ولكن هذه المجموعة وجهت نداء استغاثة بعد محاصرتهم في أحد الأبنية، وكان في عداد المجموعة شقيق ماري، أوقات صعبة تعيد بتذكرها مشاهد الحرب المرة، وأيامها السوداء.

ولدت ماري وعاشت في منزل عادي، الوالد يعمل كمدني في الجيش، متخصصاً بصيانة الدبابات، وهي عاشت بحلم أن تنتمي في يوم من الأيام للمؤسسة العسكرية، لخدمة بلدها.

الوالد العسكري أعطى للمنزل جواً من الانضباط الشديد، يعاملهم معاملة العسكر، ولكن بالنسبة لها وهي كبيرة أخوتها، كان تطوع الأب ضمن تعداد الجيش نوع من التعبد والصلاة؛ وهي لا تنسى الفخر الكبير عندما زارت والدها مع عائلتها قلعة الشقيف في الجنوب اللبناني. 

درست ماري في ثانوية المربية ناديا عون الرسمية للبنات، في منطقة غاليري سمعان، وكانت من المدارس الرسمية المهمة آنذاك، وخلال التحية الصباحية كان الجسم الطلابي يبدأ النهار بالنشيد الوطني وليس بشعار ديني مسيحي، على الرغم من إيمان ماري المسيحي العميق، فالمظاهر الوطنية عنت لها أكثر بكثير من هويتها المسيحية. خلال سنوات الدراسة المدرسية كان لماري العديد من الاصدقاء غير المسيحيين.

كغيرها من شبان وشابات تغيرت نظرتها مع بدء الحرب سنة 1975، كانت طالبة في صف البكالوريا، رأت تطاول منظمة التحرير على السيادة اللبنانية، والتجاوزات الأمنية للمقاتلين الفلسطينيين، فارادت الانخراط بصفوف الجيش أو الأمن العام، لكن تلك الفرصة لم تكن ممكنة كونها انثى، فانتسبت ماري عون الى حزب الكتائب اللبنانية.

الدافع الأساسي لـ تفضيلها حزب الكتائب هو شعاره (الله، الوطن، العائلة) وهي التي تربت على حب الوطن بسبب تأثير والدها، وفي إحدى جولات الحرب كانت تستمع إلى خطاب مؤسس الحزب الشيخ بيار الجميل، يطلب من الشباب الدفاع عن لبنان، فما كان من ماري إلا أن غادرت حرم الجامعة اليسوعية حيث كانت تدرس، وصلت البيت مستعجلة وارتذت بذتها العسكرية، لتكتشف لاحقاً أنها ارتدتها بالمقلوب.

دخلت ماري حزب الكتائب وكانت مندفعة لا تهاب الموت، ولأنها الابنة البكر في العائلة لم تُرد أن يقوم أشقائها الذكور بالدفاع عن لبنان، وحرمانها هذا الشرف، بالنسبة لماري “بيت الكتائب” كان بمثابة بيتها.

خدمت ضمن سلاح الإشارة ورغم تدريبها العسكري لم تقاتل فعلياً، ولكنها كانت ترى رفاقها يذهبون الى الجبهة، وعدد منهم لا يعودون. خلال خدمتها بغرف الإرسال والاتصال تعرفت على رفيقها والمسؤول عنها أسعد الشفتري، الذي اقترنت به لاحقاً.

تغير مفهوم ماري للحرب والصراع بعد الاتفاق الثلاثي والتسوية التي لعب زوجها أسعد دوراً أساسياً فيها، وهي محاولة جمعت الأطراف المتنازعة في 28 ديسمبر 1985، أي حركة أمل عن الشيعة، والحزب التقدمي الاشتراكي، عن الدروز، والقوات اللبنانية عن المسيحيين. كان هدف الاتفاق إنهاء الحرب الأهلية. بدل ذلك وجدت ماري نفسها مضطرة لمغادرة منزلها واللجوء إلى المنطقة الأخرى، التي كانت تراها مقراً للأعداء، إثر رفض رفاقها في السلاح التسوية وهو ما خلق لماري خوف وأسئلة وجودية عن جدوى الحرب.

انتقلت ماري للعيش في فرنسا وثم سويسرا قبل أن تعود إلى مدينة زحلة حتى بلغ ابنها الست سنوات لتعود الى منزلها التي تهجرت منه سنة 1991 بعد انتهاء الحرب وتسوية اتفاق الطائف.

بدأت الحرب بالنسبة لماري ضد السلاح الفلسطيني، ومن ثم انتقلت لمواجهة مع المسلمين، لتنتهي برفاق السلاح السابق، أي المسيحيين.

عندما تهجرت، رأت الوجه الآخر للحرب، استطاعت أن تتعرف إلى شعور اللاجئ الفلسطيني وما يمر به، بعدما رفض أهالي زحلة إعطاءها مسكن، كونهم كانوا يخافون منها و من زوجها، الذي أصبح بعد العام 1986 ضمن المحور السوري.

خلال وجودها في زحلة التقت ماري بمجموعة “التسلح الخلقي” والأب الراحل عفيف عسيران الذي سأل ماري عن آخر اعتراف لها، لكن ماري أجابته بأنها ليست بحاجة للاعتراف، وهي شخص يحس بالظلم بعدما أساء لها الآخرين، وليست بحاجة لطلب السماح على حلمها بالوطن، فأجابها الأب عسيران “يا ابنتي هل هناك قضية أهم من قضية المحبة”، هذه الجملة دفعت ماري للبكاء متأثرة بكلماته. قضية المحبة أصبحت الأهم عندها، كيف يستطيع المرء أن يبني وطن في حال كرهه رفاقه في هذا الوطن.

هي الآن في منتصف العقد السابع، عمرها مر على غفلة منها، تتذكر اندفاعها عندما كانت مراهقة وتطرفها في الدفاع عن لبنان، ولو اضطرت إلى استعمال العنف، لكنها تشعر بالسرور لأنه لم يسمح لها خلال الحرب بممارسة كل تطرفها، وهو ما كان سيشوه نفسها عبر إيذاء الآخرين. هي كأم تطلب من الشباب عدم اللجوء إلى العنف والحرب، وترى أن الوطن لا يبنى إلا بأبنائه، فإذا “تصارعنا فيما بيننا فمن سيبني الوطن، أنتم بحاجة إلى رفاقكم في الوطن حتى يتسنى لكم بناءه سويا”.

تسجيل دخول

The stories and interviews and other information mentioned in this platform do not necessarily reflect the views of the UNDP and the donor. The content of the stories is the sole responsibility of the interviewees.

القصص والمقابلات والمعلومات الأخرى المذكورة في هذه المنصة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والجهة المانحة. محتوى القصص هي مسؤولية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم.