نجوى شجاع

نجوى شجاع

عين عنوب

dealingwiththepast

1949

سمعت نجوى صوت صراخ في مكتب الممرضين بالطابق الخامس بالمستشفى، هرعت نحو مصدر الصوت، متوقعة حالة صحية صعبة، ولكن المفاجأة التي حاصرتها، كانت برؤيتها عنصراً تابعاً لإحدى الميليشيات، يحمل قنبلة ويهدد برميها على الممرضين، تقدمت منه وبدأت الصراخ بوجهه طالبة منه الابتعاد عن رفاقها والخروج من الطابق، كانت المفاجأة بالنسبة لها ولرفاقها أنه امتثل لكلامها، وتركهم.

لم يكن ما حصل هو وحده الكابوس الوحيد بالنسبة لنجوى ورفاقها، فتعرضهم للحوادث استمر طيلة مراحل الحرب، والتي تكررت مع كل القوى المسيطرة يومها. والمعاناة لم تكن فقط مع المقاتلين بل كذلك مع المرضى وأقربائهم، الذين تعاطوا مع غرف المستشفى كأماكن عامة يمكن التصرف بها بما يشبه ساحات الحرب وبشكل خارج عن القانون، حيث يقومون بأفعال أثرت على خدمة المستشفى، ليصل الأمر ببعضهم باستعمال “بابور الكاز” في الغرف ما يهدد باحتراقها، أو حتى توزيع أرغفة الخبز على الأسرة من أجل تجفيفهم.

أنهت نجوى شجاع دراستها الثانوية في مدرسة الشويفات الدولية، فتدخل أصدقاء والدها بعرض أفضل السبل التعليمية لها، أراد القاضي كامل ريدان صديق والدها توجيهها لدراسة الحقوق، ولكن أصدقاء آخرين من الأطباء (الدكتور سامي قائدبيه والدكتور رياض خليفة) عرضوا أن تدخل الى كلية التمريض في الجامعة الأميركية، لتصبح ممرضة في المستشفى الذي كانت تسيطر عليه أكثرية من الممرضات الأرمينيات.

دخلت نجوى كلية التمريض سنة 1970 لتتخرج بعد 3 أعوام، انتقلت للعمل في الطابق التاسع تحت إشراف واحدة من أقطاب مهنة التمريض في الشرق الأوسط بدر شاهين، والتي زرعت في نفس الشابة نجوى حس الحشرية والفضول ما سمح لها بتوسيع آفاقها العلمية والأكاديمية.

انتقلت نجوى في مطلع عام 1975 إلى الطابق الخامس (الجنوبي) والذي كان يعتبر من أكبر الطوابق ويضم أكثر من ثمان وثلاثين سريراً، معظمهم على حساب وزارة الصحة، وجدت نفسها أمام مهمة شاقة ومتعبة، في عمل يتطلب حضوراً من 16 إلى 18 ساعة يومياً. مع غياب الجزء الأكبر من الممرضين هرباً من القصف، أو بسبب قطع الطرق.

لا تنسى نجوى المشاهد الأليمة إثر انفجار حي بئر العبد سنة 1985 والذي أودى بحياة أكثر من 80 شخصًا وإصابة 200 آخرين. تقاطر معظم الجرحى إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الجامعة، هرعت نجوى للمساعدة في إغاثة الجرحى الموضوعين في الباحة على مدخل الطوارىء، أثناء خروجها من المصعد تركض للوصول إلى الجرحى ومن دون قصد عبرت فوق جثث القتلى، فداست على بعضهم قبل أن تستغرق بالعمل حتى الساعة 12 ليلاً. 

بعد عودتها إلى منزلها عادت لها مشاهد الجثث والمشي فوقهم، فانفجرت بالبكاء لساعات وبقيت هذه القصة تؤرقها. قصة أخرى لا تقل ألما بالنسبة لنجوى، حين رأت في إحدى المرات عدد من الأطفال الجرحى منقولين على حمالة واحدة، ومعظمهم بحالة خطرة، منهم من بترت يده أو ساقه وآخرين فقدوا أعينهم، وهي مشاهد أثرت سلباً على حالتها النفسية، رغم أن عملها هو مساعدة المصابين.

بسبب الانهيار الاقتصادي والحرب فقدت المواد الطبية والغذائية، ما دفع بنجوى ورفاقها الممرضين إلى الابتكار للصمود مع الناس، فاستغنوا عن الشراشف القطنية بشراشف ورقية، وقدموا الأدوية المطلوبة عبر تذويبها ووضعها في أغطية القناني بعد فقدان الأكواب المخصصة.

تفادي الحرب هي الغاية الأساسية، كذلك الابتعاد عن الأحزاب الطائفية التي تفرق اللبنانيين عن بعضهم البعض بحسب ما تقول نجوى، ترى أن الحياة البشرية رخيصة جداً أثناء الحرب فيقتل من يقتل وتفقد العائلة الأحبة بدون أي سبب.

    نجوى شجاع

    نجوى شجاع، الطالبة في كلية التمريض سنة 1970 بين زميلاتها، معظمهن هاجروا هربا من الحرب الأهلية، ومنهم زميلة عزيزة لها، هي سلام مفرج، التي قتلت بقصف مدفعي في شارع الحمراء بجانب فندق نابوليون، بينما كانت تسير نحو مكتب السفريات لاستلام تذكرة السفر للهجرة الى الولايات المتحدة. بعد مقتل سلام قامت نجوى مع أصدقائها بابتياع فستان عرس أبيض، مقيمين لها العزاء في كلية الطب بالجامعة الأميركية، وبعدها نقلوا جثمانها إلى مسقط رأسها في الكورة بشمال لبنان، بالتعاون مع أحد الميليشيات.

تسجيل دخول

The stories and interviews and other information mentioned in this platform do not necessarily reflect the views of the UNDP and the donor. The content of the stories is the sole responsibility of the interviewees.

القصص والمقابلات والمعلومات الأخرى المذكورة في هذه المنصة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والجهة المانحة. محتوى القصص هي مسؤولية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم.